هيئة البلاك برايور للقائدة رافيير

قوة الألم

الجزء الأول.

لمعت النجوم خافتةً في الغسق. تناثرت آخر أشعة الشمس المتبقية مع مرور كل ثانية، فغمرت السماء بأجواء برتقالية أخذت تزداد قتامةً وحُمرةً. أما القمر فلم يُرَ. لعله عرف بشأن إراقة الدماء القريبة فحق له أن يتجنب حتى اللمحة العابرة منها.

احتدمت المعركة في ميدان من التراب الأسود تملأه صخور حادة كالأمواس وأشجار ميتة رأت آخر إزهار مبهج لها منذ زمن بعيد. تدنّت غيوم دافئة في الأفق وأحدثت الرياح القوية دوامة لا تنقطع. هذا لم يسعف الفرسان ذوي الرداء الأسود الذين أخذوا يؤرجحون سيوفهم عشوائياً في وجه أعدائهم من تحالف كايميرا. هاجمت النصال دروعهم الصلبة بينما قربوا صفوفهم لتشكيل جدار متماسك أملاً في صد الهجوم. كانوا الأقل عدداً لكنهم لم يتراجعوا. لأنهم البلاك برايور ودافعهم الكبرياء. لن يتوسلوا. لن يستسلموا. سيقاتلون للرمق الأخير.

سادت ظلمة الليل ووجد البلاك برايور أن الأعداء قد دفعوهم نحو جدار من الصخور يصعب تحطيمه أو تسلقه. كان هذا كل شيء. كانت هذه نهايتهم. لكن عندما استعد جنود كايميرا لشن هجومهم الأخير، حدث شيء آخر. اخترقت صرخة قوية هدوء الليل، وحاول جميعهم الهرب بسرعة. صدر الصوت من حصان، على ظهره فارسة تندفع باتجاههم وبيدها مشعل. أخمد الضباب اللهب. انعكس التوهج على قناع الفارسة اللامع، وبيّن تاجاً من الأشواك فوق رأسها، وعينين لم تكونا إلا تجويفين من السواد الخالص.

بدا التوتر على بعض جنود كايميرا. حتى إن آخرين بدأوا التحرك من الرعب ممزقين ترتيب الصفوف ومتعثرين ببعضهم بعضاً. كان لدى الفارسة سمعة، وبدا أنهم عرفوا مَن القادم إليهم بالضبط: القائدة رافيير. ذراع فورتيجر اليمنى. لكن كانت تُعرف باسم آخر لدى مَن في ميدان المعركة. سيدة الألم.

ألقت رافيير قبل أن تصل إلى خصومها كيساً كبيراً من سائل ينسكب من جميع أنحائه وهو يلتف في الهواء، فنال من العديد من محاربي كايميرا. تعس الحظ الذي أمسك بالكيس حيث لم يدرك ما كان السائل داخله إلا بعدما صار بين يديه: إنه زيت. وكان الأوان حينئذ قد فات. كان رافيير قد ألقت الشعلة بالفعل. فجأة، اشتعل حريق في الليل الوليد وأغرق العالم الصراخ. ركض الجنود المشتعلون عاجزين مصطدمين ببعضهم، لتنتشر النار أكثر. سحبت القائدة سيفها بيد ودرعها في اليد الأخرى ونزلت عن حصانها. انضم البلاك برايور المحاصرون مرة أخرى إلى القتال، وباغتوا محاربي كايميرا الأقرب إليهم.

لم تستمر المعركة طويلاً بعد هذا.

بطشت رافيير بكل مَن واجهها، سواء السليمين أو الذين ركضوا وصرخوا وهم مغطون بالنيران -- وتولى إخوانها أمر البقية. بعد قليل، وقفت سيدة الألم والبلاك برايور وسط عدد كبير من الجثث. اشتعلت نيران صغيرة من حولهم وانعكس ضوؤها على دروعهم السوداء كما لو أنهم احتلوا أعمق أعماق العالم السفلي. كانوا على وشك الهزيمة، لكن القائدة وصلت في الوقت المناسب لحسن الحظ. بدأ الإحباط يتسلل إليها على مدى السنوات القليلة الفائتة. المعارك، كانت كثيرة. لكن الانتصارات، أقل بكثير. تمنَّت أن لو كان باستطاعتها أن تقلب موازين الحرب كما قلبت موازين هذه المعركة بكل سهولة.

كل ما أخبرتهم كان: "استدعانا فورتيجر." كان أمراً نادراً أن يحصل البلاك برايور على اجتماع مع زعيمهم العادل. كان نادراً ما يراه أحد هذه الأيام - ما يعني أن ما كان سيقوله بالغ الأهمية. رافيير فقط مَن دخلت خيمته. وقف الآخرون بالخارج منتظرين مع أحصنتهم، ناظرين إلى الجرف الطويل بالأعلى الذي يمتد ليشق الليل.

لم تلبث هناك طويلاً. خرجت، ولم يستطع أحد فهم تعبيرات وجهها المغطى بالمعدن كما العادة. امتطت حصانها وأخبرت أتباعها بكل ما يحتاجون إلى معرفته.

"سنتجه نحو الشرق."

سأل أحد البلاك برايور: "إلى أين؟"

قالت: "إلى أرض تُسمى شبه الجزيرة العربية." وارتسمت ابتسامة على وجهها خلف قناعها البارد الخالي من المشاعر.

الجزء الثاني.

لم يكن الوصول إلى المكتبة سهلاً. بعد رحلة طويلة عبر الصحراء، وصلت القائدة رافيير مع بعض من البلاك برايور الجديرين بالثقة إلى البوابات المبهرة لمملكة شبه الجزيرة العربية. لم تعلم رافيير ما الذي توقعت أن تعثر عليه شرقاً، لكن وجود شعب مزدهر بعيداً عن قبضة الحرب كان أمراً مفاجئاً. افتخرت السلطانة بنفسها على عرشها مثلها مثل جميع القادة. لكن كان هناك أمر مختلف بها. ابتسامتها كانت صادقة. كانت تنضح بالشعور بالدفء. بدت... في حال جيد. أزعج هذا رافيير للغاية، لكنها علمت أيضاً كيف ستتلاعب بهدفها. لم يكن هناك متسع لسيدة الألم هنا، فقط رافيير. كانت المأدبة هي المكان الذي بدأت فيه عملها. بعد الوعود الكبيرة بالصداقة والثروات والتحالفات القوية، تسللت رافيير داخل عقل السلطانة ونجحت في إقناعها بمنحها إمكانية الوصول إلى القطعة الأثرية الأكثر قيمة في شبه الجزيرة العربية. حاول أقرب مرافقي السلطانة التدخل، باذلين أفضل جهودهم في إقناع السلطانة بفعل العكس. لكن رافيير قد فرضت سيطرتها على السلطانة وأشبعت غرورها.

كان الوقت متأخراً، لكن أصرت رافيير على عدم تأجيل زيارتها. لم ترغب في البقاء في هذه المملكة اللعينة للحظة أكثر. كان المكان كله يعج برائحة السلام والشعور المقيت بالرضا. صعدت على الدرج المتعرج ممسكة بشعلة في يدها، ويتبعها جنودها عن قرب. بينما كان مسموحاً لهم بالتحرك بحرية في أرجاء المكتبة، شعرت رافيير بأن هناك من يراقبهم من كثب. ربما وثقت بها السلطانة، لكن من الواضح أنه لم تثق بها الأعين الكثيرة المختبئة في زوايا المكتبة المعتمة. فكرت رافيير قائلة، "جيد". ربما هذا المكان صامد لا يتزعزع في نهاية المطاف.

حين وصلت أخيراً إلى المكتبة، لم ينتب رافيير سوى الانبهار بمحتوياتها. كان التصميم دائرياً مع جدران ممتدة وواسعة وشاهقة مصنوعة من الرخام الأبيض. كانت كل هذه الجدران مغطاة بخزائن كتب هائلة مليئة بمجلدات من جميع الألوان، ومجموعات مخطوطات ملفوفة مربوطة بخيوط وأعمدة من المسودات المفككة. كما كانت القاعة الرئيسية مليئة بعشرات خزائن الكتب الأخرى المصطفة في دوائر متركزة، دون وجود سنتيمتر واحد مهدر من مساحة الأرفف. وكان السقف في الأعلى مغطى بما بدا أنها خريطة للكوكبات، وتوجد في مركزها فتحة دائرية صغيرة تسمح لضوء القمر والنجوم بتوجيه شعاع يصل إلى الأسفل في خط عمودي مثالي إلى مركز المكتبة – والكرة السماوية. السبب الذي قطعت من أجله مثل هذه المسافة الطويلة. جائزة فورتيجر.

تم وضع الأسطرلاب الكروي أعلى قاعدة تمثال صغيرة وكانت محاطة بحلقات رفيعة من الذهب وتشبه التروس. حين اقتربت منها، بدأت رافيير تسمع همسات غريبة متداخلة. كانت بعيدة وغالباً محتجزة عند حافة المعلوم والمجهول. كلما اقتربت من القطعة الأثرية، علت الأصوات غير المفهومة. بدت غالباً كأغنية، نداء المصير. ترنيمة التبجيل. مدت يدها من خلال الحلقات الذهبية، ولمست الكرة الزجاجية. لم تستطع فهم الطريقة أو السبب، لكن ظهرت قوة لتسحب أطراف أصابعها وعلمت غريزياً ما يجب عليها فعله. مع بعض الحيل المعينة، فُتحت الكرة وتألق داخلها ضوء لامع يشبه مركز الشمس.

ضُربت رافيير على الفور بموجة من الصور المتفتحة أمام عينيها – سلسلة من الأحداث التي عرفتها. تفاصيل عن أحداث كانت في الماضي تدفقت إلى رؤى من الحاضر. وهنا تدفقت أحداث لم تأتِ بعد. مستقبل هيثمور. بعيد لكنه في متناول اليد. ألم. الكثير من الألم. والمأساة. أكثر مما كانت تأمل. كان كل شيء هناك. خريطة إلى السيادة. وكانت ملكها.

تساقطت قطرات عرق خلف قناعها في أثناء اختفاء شدة الضوء. التقطت رافيير أنفاسها وهي تنظر إلى الأسفل خلال استيعابها للمعرفة المفاجئة التي منحتها إياها الكرة. إذا تمكنت من استغلالها بالكامل، فلن يتمكن أحد آخر من معرفة ما فعلته. كانت المخاطرة كبيرة. كان كل شيء هادئاً للحظة. وبعد ذلك، كان السيف في يدها بالفعل. طعنت القطعة الأثرية مباشرةً، لتدمرها هي والحلقات الذهبية إلى أشلاء. سمعت رافيير صراخاً مقبلاً من الظلال، ووقع خطوات متسارعة.

أغلق البلاك برايور الآخرون صفوفهم حول رافيير خلال استعدادهم للمعركة.

أمرت قائلة، "احرقوها". "احرقوا كل شيء".

الجزء الثالث.

كان ذهن رافيير صافياً. علمت وجهتها، وما تحتّم عليها القيام به. سارت الأحداث في تناغم، وكانت هي محورها. لم يكن دمار المكتبة أمراً متوقعاً، لكنه كان النتيجة المنطقية الوحيدة. ما علمته هو أنه ليس بإمكانها المخاطرة بمعرفة أي أحد عن الأمر. هذه المعرفة كانت ثمينة للغاية، وائتمان أحد آخر عليها أمر خطير جداً. كان المصير متقلباً، وكان لسقوط أخف بتلات الزهور أن يغير مجراه. لم تهتم رافيير كثيراً بأمر النباتات. لكنها عملت على التأكد من نموها - ما دامت متجذرة في حقل مُلطخ بدماء المحرومين.

عادت هي ورفقتها إلى هيثمور سريعاً، إذ كانت فترات استراحتهم قليلة. لقد حالفهم الحظ: لم يُفقد سوى اثنين من البلاك برايور رفاقهم في أثناء هروبهم من المملكة الصحراوية. لأيام بعد ذلك، كان بإمكانهم رؤية عمود الدخان في السماء من خلفهم. كان بمنزلة شهادة على قوتهم، قوتهم التي وصلت إلى كافة أنحاء هوركوس خارج حدود هيثمور. أخذ الدخان يبهت وينحف كلما ابتعدت مسافتهم إلى أن اختفى عن الأنظار.

أخيراً، انحسرت الصحراء لتفسح المجال لحقول عشبية وغابات خضراء وأنهار متدفقة. أصبحت السهول سهولاً صخرية، وسرعان ما امتدت عبر أفق جبال مخروطة في السماء بالأمام. كان ذلك مشهداً مألوفاً لهم. لقد عادوا إلى وطنهم. لم تصرح رافيير بهذا بصوت عالٍ، لكنها جرؤت على قول إنها سعيدة بالعودة. كانت الصحراء خاوية، لوحة بيضاء خالية من الحياة – والصراع. هنا، في أرض هيثمور المتنوعة الخصبة، شعرت بنذير الموت بالفعل. شعرت أنها على حق.

عندما وصلوا إلى طرف وادٍ، توقفت رافيير. نظرت إلى محيطها قبل أن تلاحظ السماء الصافية. كانت الشمس مشرقة جداً، بعد منتصف النهار بقليل. كانت أشعتها ثقيلة ودافئة، لكن لم يلمس جلدها شعاع واحد من أشعتها. كانت تفضل ظلمة درعها جداً. لطالما كانت تفضلها. وضعت يدها على مقبض سيفها باحتراز شديد، وبعد أن أومأت برأسها قليلاً، استعد رفاقها البلاك برايور. بعد ذلك، ضربت جانب حصانها ضربة خفيفة بالكعب ليتقدموا جميعاً بهرولة بسيطة.

كان سيف رافيير مرفوعاً بالفعل عندما انقض المدجاي الأول. طعنته في منتصف صدره وهو في الجو. كان ميتاً عندما سقط على الأرض. جاء الآخرون بعد ذلك مهاجمين من كلا جانبي الوادي. كان ذلك كميناً نصبه المحاربون الذين يحملون علامات كايميرا. مهمة دامية للثأر لأولئك الذين أُحرقوا على يد سيدة الألم. لكن لا يمكن مفاجأة السيدة - بل كان الأمر على النقيض من ذلك. لقد علمت أن هذا الهجوم قادم واستغلت معرفة ذلك لصالحها. كان ذلك اختباراً بالنسبة إليها للتأكد من أن ما عرضته الكرة السماوية عليها كان حقيقياً، وأيضاً للتأكد من أن بإمكانها ترويض القدر لصالحها دون أدنى شك.

لم تدم المعركة طويلاً. نظراً للمعرفة المسبقة بالهجوم، افتقر محاربو كايميرا لعنصر المفاجأة، وهاجم البلاك برايور بسرعة وشراسة. بُترت الأطراف وانسكبت الدماء في أنحاء أراضي الوادي الباهتة كافة. راقبت رافيير الوضع من حولها بسعادة، حيث استعادوا اليد العليا في المعركة بسهولة. بعد تجربة الهزيمة الوشيكة التي مر بها البلاك برايور أعوانها سابقاً قبل أن تأتي لإنقاذهم في تلك الليلة الظلماء، كانت رؤية قوة الكرة السماوية أمراً آسراً للغاية. قوة النصر. سيسعد فورتيجر بذلك. أجل، سيسعد. ستخبره بكل ما رأته. ستشرح له ماذا كانت خطوتهم التالية. الآثار - بدأ الأمر كله بالآثار. لكن هذه كانت قصة الغد.

في ساحة المعركة، حرصت رافيير على العثور على قائد الأعداء، الحارس الذي لم يشكل تحدياً كبيراً لها. هزمته سريعاً، لكنها أصرت على إبقائه حياً. جردته من درعه وربطته بصخرة مسطحة الزوايا معرضة إياه لأشعة الشمس الحارقة. صرخ بينما كان جلده المكشوف يغلي ويُصدر صفيراً متوسلاً بأن يتم إطلاق سراحه.

تركته هناك دون أن تعرف ما إذا كان سيعيش أم سيموت. الكرة لم تعرض كل شيء عليها في النهاية. مسار فحسب. وماذا عن اللغز؟ كان ذلك جزءاً من المتعة.

محتوى موصى به

تذكرة المعركة

بعد وقوع الكارثة، خلت الأراضي من الحياة وتلاشى الأمل. المحاربون من كل فصيل يستميتون للنجاة والقتال سعياً وراء أي موارد يمكنهم الحصول عليها. ولتحقيق ذلك، يلزمهم أسلحة. هذه الأسلحة داكنة وحادة كالشفرات وتناسب عصرهم. لأن المحاربين سيقضون على أي شيء في طريقهم إذا كان ذلك يعني أن شعبهم سيحظى بفرصة العيش.

معرفة المزيد

بطل جديد: الحارس الفارانجي

إن الحرس الفارانجي مجموعة من الفايكينغ المرتزقة الذين ازدهروا لفترة طويلة خارج حدود هيثمور. يقف المحاربون بجانب بعضهم بعضاً مهما حدث، وقد أكسبهم إخلاصهم سمعة الولاء المطلق. بمجرد أن يؤدي الحرس الفارانجي القسم، فلن يرتدوا أبداً. سيظلون دائماً أوفياء لمن يستأجرهم - ولأنفسهم.